على بعد 120 كيلو مترًا من العاصمة الأردنية عمّان، تقع محافظة الكرك، التي اقترن اسمها بأكبر القلاع الأثرية على مستوى المنطقة.
يعود تاريخ إنشائها إلى العام 860 قبل الميلاد أيام العصر المؤابيّ (نسبةً لمملكة موآب، وهو اسم مملكة قديمة كانت أراضيها تقع حيث الأردن اليوم).
تتميّز قلعة الكرك بمساحتها الكبيرة، التي تصل 25 ألفًا و300 متر مربّع، وقد تعاقبت عليها العديد من الحضارات، أبرزها الرومانية، ما جعلها حتى اليوم مقصدًا للراغبين باستكشاف التاريخ.
“اعمل محليًا وفكّر عالمياً”.. بناءً على هذه القاعدة، اختار 3 شبّان من مدينة الكرك، هم: معاذ العساسفة (30 عامًا)، والطبيب يزيد الطراونة (35 عامًا)، والمهندس عدي القروم (31 عامًا)، هدفًا عنوانه: المزاوجة بين الهوية المحلية والعالمية.
القيمة التاريخية والأثرية لقلعة الكرك، شكلت الحافز لتنفيذ الفكرة، فقبل عام، قرر الشبّان الثلاثة إنشاء مشروع مشترك في أحد المباني التابعة لمؤسسة أهلية محلية، هو عبارة عن مقهى ومطعم أطلقوا عليه اسم “بانوراما القلعة”.
لم يأتِ اختيار الاسم جزافًا، فالإطلالة البانورامية التي يتمتع بها المكان تتيح لزائره الاستمتاع برؤيةٍ كاملة للقلعة من أعلى تلةٍ مقابلة لها، ما جعله رغم عمره القصير أحد المزارات الأساسية في محافظة الكرك.
الصورة الحالية للمكان مع تنوّع المرافق بداخله، مقارنةً بما كان عليه سابقاً، وفق ما روى الشبّان، تؤكد إصرارهم على التميّز، وبأن النجاح لا يتحقق ما لم يتم تحديد الهدف مسبقًا، وهو ما فعلوه.
مراسل الأناضول زار المكان، واستدل من كثافة الإقبال عليه بأنه قصة نجاح أتقن أصحابها كتابة تفاصيلها، وجعلوا منها نموذجًا يروي حسن استثمار التاريخ لصناعة الحاضر.
انتدب الشبّان زميلهم معاذ، لمرافقة مراسل الأناضول وإطلاعه على مرافق المكان والحديث عنها.
استهلّ معاذ كلامه بالقول: “قبل أن أشرح لك، هل تشاهد هؤلاء الموظفين؟ جميعهم من أبناء المحافظة، وأغلبهم يحملون الشهادات الجامعية، وبعضهم في مرحلة الدراسات العليا، وقد وفّرنا في هذا المكان 32 فرصة عمل”.
وتابع “كان المكان مهجورًا بالكامل، قبل أن نقوم بتنسيق وتعاون وضمانة من مؤسسة إعمار الكرك (أهلية) بمبلغ 13 ألفًا و 700 دينار أردني (19 ألف دولار أمريكي)”.
وأضاف “كانت الفكرة مع أصدقائي يزيد وعدي بأن لا تذهب هذه الإطلالة هدرًا، وعقدنا النية عام 2021 بأن نقوم بالصيانة اللازمة، وبحمد الله تمّت إعادة تأهيله خلال بضعة أشهر، بمساعدة نحو 150 شخصًا من أبناء الكرك”.
وأردف “كما ترى، هذا المكان يتيح للزوار الاستمتاع بمشاهدة غروب الشمس وجمال المنظر، خاصة عندما تسطع أشعّتها على القلعة التي تقابلنا”.
ومضى شارحًا: “يحتوي المكان على مدرّج لعقد معظم الفعاليات، بحيث يجلس المشاركون بمواجهة قلعة الكرك، وقد استقبلنا هنا شخصيات بينهم سياسيين واقتصاديين ودبلوماسيين ومنظمات دولية ونقابات مهنية”.
وأشار قائلاً: “أما على الجانب الآخر، فهذا المكان يحتوي على معرض من الصور التاريخية لمحافظة الكرك، وهنا يستمتع الزائر بغروب الشمس وشروقها، وهو يشاهد القلعة في الوقت نفسه”.
وعلى طرف التلة التي يتربّع عليها، يوجد كوخ خشبي بواجهة زجاجية، بيّن العساسفة بأنه يمثّل “جلسةً بمواصفات خاصة، توفّر لمن يجلس فيه الهدوء والاسترخاء وحالةً بريّة، خاصة مع المقتنيات التراثية الموجودة بداخله، التي تُحاكي أجواءً حياتية عاشها أجدادنا في الماضي، وهذا الجو أيضًا في مواجهة القلعة”.
علي اليامي (52 عامًا)، زائر سعودي، قال للأناضول، وهو يتناول وجبة غدائه في المكان: “جئت إلى الأردن اليوم للمرة الثانية وبعد 32 عاماً عن المرة الأولى، وقد زرت العتبات المقدسة بالكرك، واطلعت على المواقع السياحية فيها”.
وتابع اليامي: “هذا المكان جميل جداً، يتميز بإطلالته على قلعة الكرك الأثرية، فضلاً عن ارتفاعه والهواء الطلق، ومستوى التعامل فيه يؤكد طيب أهل المنطقة”.
روعة أبو عودة (23 عامًا)، إحدى العاملات بالمقهى، أوضحت للأناضول “أنا طالبة في مرحلة الماجستير بتخصص القانون، وقد وفّر المكان فرص عمل كثيرة، وأعطى الكرك ميزة وجمالية؛ لإطلالته على قلعة الكرك”.
وأشادت بنجاح المشروع بالقول: “أصبح (المطعم) مقصدًا للسياح من مختلف دول العالم، وأنا بحكم درجتي التعليمية، تمكنت من صقل قدراتي على التحدث باللغة الإنجليزية، وهذا يساعد في جذب المزيد منهم”.
وتعدّ المحافظة من مسارات الطريق الملوكي في الأردن، وهو أحد أقدم وأهم الطرق التجارية في منطقة الشرق الأوسط.
ويبدأ الطريق من ضواحي القاهرة في مصر، ويمتدّ على طول شبه جزيرة سيناء وصولًا إلى العقبة، ليبدأ بالانعطاف باتجاه الشمال نحو العاصمة الأردنية، ومن ثم إلى دمشق فنهر الفرات في سوريا.
ووفق إحصاءات رسمية، يضمّ الأردن نحو 100 ألف موقع أثري وسياحي، تتوزع في مختلف محافظات المملكة ومدنها.